هل اليوميات مفيدة؟ هل يجب أن نستفيد أصلا؟

كالعادة، كانت متكدسة بين المسودات، ويبدو أنني كسرت شيئا ما عندما أغلقت الحاسوب منهيا هذه التدوينة، لأنني أحسست أنني كنت غاضبا عند كتابتها، المهم استمعت بقراءتها بعد مدة من كتابتها، كالعادة رأيكم يهمني مهما كان، قراءة ممتعة للجميع، لا تعطس أثناء قراءتك، لم أخرج من البيت منذ مدة لا تنقل لي العدوى من فضلك، لنبدأ.

هناك العديد من المدونين يكتبون يوميات، عن حياتهم وأحداث أيامهم وما جرى لهم بكل صدق وما إلى ذلك، لكن ما يتكرر هو قولهم أن اليوميات قد تكون غير مفيدة ومضيعة وقت للقارئ، لهذا وجب التنويه وكل هذه الأمور، نعم أتفهم جدا التنويه وهو أمر رائع صراحة أن تنوه القارئ بما تحسه عن يومياتك، الصدق والصراحة أجمل الأمور التي يجب أن تقوم بها مع قرائك، وهذا أمر أفعله أصلا عندما أحس أنني أكتب هراءً، لكن إعادة النظر لمقياس “الفائدة” في اليوميات جعلني أكتب هذه التدوينة.

أولا ما هي اليوميات أصلا، باختصار هي محتوى كتابي تكتب فيه عن تفاصيل يومك المهمة، أو حتى أسبوعك أو شهرك، هذا فقط، قد يشبه الأمر ما يجري في الأفلام عادة، خاصة أفلام المراهقين، عندما يعود من المدرسة يذهب لمذكرته ويبوح لها بما جرى في يومه، نفس الأمر لكن في النت.

ما يجعل المدون أو حتى بعض القراء يعتقدون ان هذا النوع من التدوينات غير مفيد، وما أقصده بالفائدة هنا تلك التي تحس بها عندما تنهي تناول أي محتوى ما، كتاب أو مقالة أو أي شيء آخر، وتحس نفسك بذلك الشعور “واو، لقد استفدت شيئا جديدا”.

شخصيا، هذا المقياس من الفائدة سيء للغاية، إن اتبعته ستصبح حياتي مملة، أؤمن بأن الانسان يحتاج للمتعة مهما كان، لهذا مقياسي المحرف من الفائدة هو عندما أستمتع بذلك الأمر، خلاص أعتبر نفسي استفدت. لعله مبدأ متطرف، لكن ما الذي سأستفيده من حياة جلها بحث عن فائدة، فائدة فائدة كل شيء يجب أن يكون مفيدا وإلا ستحل اللعنة.

وهناك مبدأ آخر جميل جدا، وهو أن كل شيء يمكن الاستفادة منه، حتى الأمور التافهة التي تبدو للآخرين غير مفيدة، يمكن أن تحولها لشيء مفيد، مثلا لو تشاهد فيديو عن تحدي خلط مكونات غريبة وذلك الهراء الذي يدور في الترند، ستحتاجه مثلا في مناقشة ما مع صديق جديد، قد يبدو ما قلته الآن سخيفا لكن حقا الأمور التافهة -ظاهريا- مفيدة -باطنيا-.

نفس الأمر اعمل له كوبي بيست أو كما تترجم بنسخ ولصق، وضعه على اليوميات، نعم الشخص يتحدث عن يومه ومشاكله وعراقيله وما أسعده ولا أدري ماذا، وأنت تقول في كل كلمة: وأنا ما دخلي في حياتك أصلا وتخرج متذمرا.

لكن في الجهة المقابلة، قد ترى الحياة بنظرة ذلك الشخص، مما يجعلك تفهم الحياة أكثر، لان اليوميات عادة ما تكون صادقة، لا يوجد فيها تزييف معين من أجل أن نظهر Cool للآخرين وننال مشاهدات وندخل الترند.

لأنها في الأساس موجهة لأنفسنا هذه اليوميات، مادامت لأنفسنا فلا يوجد داعي للتزييف الذي ننال به المشاهدات أو غير ذلك، قد أكتب عن حياتي لكي أفهمها بشكل أفضل، وأنا كإنسان أود فهم الحياة ومكوناتها أكثر، البشر وتعاملاتهم ونفسيتهم، اليوميات أفضل ما قد يساعدك في ذلك. عامل الصدق أثناء كتابتها هو ما يساعدك في الأساس، لأن الزيف الذي ستجده في وسائل التواصل، سيجعلك تأخذ صورة خاطئة عن الحياة، ويزيد طين حياتك بلة، وتأخذ مفاهيم خاطئة عن أمور عديدة كالسعادة والحزن والكآبة، لماذا ذكرت الكآبة والحزن، لأن الكثير لا يعرف الفرق بينهم، والكثير يقفز من الحزن إلى الكآبة مباشرة، بمجرد أن جرحه شخص غريب بكلمة معينة.

اليوميات قد تجعلك تستفيد شيئا جديدا عن مجتمع كاتبها، أو قد تصحح أمورا عن ذلك المجتمع، ولأعود مجددا لعامل الصدق، يمكن أن تستغله هنا أيضا، اليوميات لصدقها يمكن أن تتعرف عن مجتمع صاحبها بعين أقرب. أو قد تؤكد لك بكل بساطة ما تعرفه من قبل عن ذلك المجتمع، لأنك تقرأ عن شخص بالفعل يعيش هناك، مما يجعلك ما تعرفه يتحول من مجرد أقاويل سمعتها من مكان ما إلى حقائق سمعتها من عين الواقع. وقد ينتهي بك المطاف معلقا على تلك اليومية: يا إلهي لم أكن أظن أن بلدكم كذا وكذا.. 

اليوميات قد تجعلك تتعرف عن أشياء جديدة في مجالات أخرى، مادام إسمها يوميات، يعني أن صاحبها قد يكون يشاهد الأفلام والمسلسلات فيتحدث أنه شاهد كذا وكذا ويقول رأيه بصدق مثلا، وإن كانت يومياته ينشرها بشكل يومي مثلا، سيجعلك ذلك تكتشف رأيه عن كل حلقة، وما يجب عليك أن تعرفه وأن تتجنبه وهذه الأمور عادة لن تجدها في مراجعات الأفلام الشاملة لجميع الحلقات، وقد تجدها في حديث بسيط مع صديقك في العمل مثلا، فيقول لك فقط اصبر على الحلقة الأولى لأنها تعريف للشخصيات، ثم بعدها يبدأ التشويق، فقد تجد هذه المعلومة في اليوميات ويجعلك ذلك تكمل المسلسل وتستمع به، هذا ما أحاول التركيز عليه في مراجعاتي عادة، ما الفائدة من مراجعة فيلم وأنت تتحدث بشكل سريع عن رأيك، أرى أن اليوميات أفضل بكثير من المراجعات لانتقاء لائحتك القادمة من المشاهدات.

وقد يكون يقرأ كتب فتسرق ترشيحات كتب، ولأنني شخص لا أحبذ أن أضيع وقتي لهذا أنتقي بشدة ما أقرؤه، فاليوميات مساعدة هنا، لأن الصدق يمكن استغلاله هنا أيضا. وقد يكون يقرأ مقالات، فتسرق بعض المدونات والمواقع وتتعرف على كتاب جدد، وهذا قد يفيد المدونين أكثر.

حتى تلك المشاكل التي نتذمر منها ونكتب عنها، يمكن الاستفادة منها، مثلا نظرته للمشكلة قد تكون جديدة عليك، وإن جاءتك مرة هذه المشكلة سيكون حلها أسهل عليك. وقد يجعلك تفكر مجددا في تلك المشكلة لأنك مررت بها من قبل.. 

هناك ذلك الموقف الفلسفي الذي يقول أننا نتعرف على ذواتنا بمساعدة غيرنا الذي جاء نقيض موقف أننا نتعرف على ذواتنا بأنفسنا دون الاعتماد على الغير، وهذا الموقف يقول أن الغير مخالف لنا في التركيبة التي خلق بها، في حياته في كل شيء، فبه يمكن أن تتعرف على ذاتك أكثر، لأنك ترى أمورا ليست موجودة فيك. وهناك من يقول أن ضد الشيء يجعلك تفهم الشيء أكثر. واليوميات هنا حسب هذا المفهوم الفلسفي ستساعدك في التعرف على ذاتك، لأنها انعكاس لذوات الآخرين التي هي مخالفة لذاتك في التركيبة. 

أمر آخر بخصوص الفائدة بشكل عام، لا أعلم لماذا الناس أصبحوا متعصبين للفائدة بذلك المفهوم بشكل كبير، نعم الفائدة مهمة، ويجب أن لا نضيع وقتنا كثيرا وكل هذا الهراء، لكن هل هذا مقياس يجب أن نضعه في كل جزء من حياتنا؟

لماذا لا نعتبر المتعة مقياسا مثلا؟ لماذا يجب أن أستفيد في يومي لكي أعتبره يوما جميلا؟ ألا يكفي أن أستمتع بوقتي فقط وأكون سعيدا ولو مؤقتا وهكذا يعتبر يوما جميلا؟ نفس المبدأ ينطبق على أمور كثيرة، مشاهدتي لفلوق مثلا، أو مقطع تافه، لا يهمني إن استفدت بشكل مباشر، المهم أنني استمتعت.

نعم هذا المبدأ متطرف نوعا ما، لكن هذا يجعلني أرتاح أكثر في حياتي، لأن المتعة في الأخير يمكن تحويلها لفائدة، أن أتلزم بالفائدة بمفهومها المتداول، لهو سجن من نوع آخر أفرضه على حياتي.

نفس الأمر ينطبق على الكتب مثلا، هناك أشخاص يقولون أن الروايات مضيعة وقت، لأنهم يعرضونها على مقصلة الفائدة، وهي لو نظرنا إليها بنظرة مغايرة، فبدون الروايات لا يمكننا فهم الحياة بشكل أفضل، ونفس الأمر ينطبق على الكتب بشكل عام، تقرأ كتاب مفيد مثلا، وتنهيه وتقول لي لم أستفد شيئا، قد يكون الأمر منطبقا عليك عندما كنت صغيرا وتنهي لقمتك من العشاء، ثم تقول لأمك “أمي أين العضلات التي وعودنا بها بعد أكل الطعام؟ لقد خدعنا أمي.” نفس الشيء مع الكتب.  

طبعا هذا رأيي في الأخير، أحب قراءة اليوميات، ولكن ليس كل الأشخاص، الأسلوب يلعب دورًا في الملعب، هناك من لا تروقه اليوميات أصلا لأنه لا يستمتع بها، وهناك من يكتب يوميات ولا يقرأ لغيره، وهناك من لا يكتبها ولا يجد متعة في قراءتها، وهذا أمر طبيعي، ما أود قوله في هذه التدوينة هو رأيي عنها بكل بساطة، وعن مقياس الفائدة والمتعة.

كونوا بسطاء، استمتعوا بحياتكم، فهي قصيرة على كل حال.

دمتم جميلين. 

24 رأي حول “هل اليوميات مفيدة؟ هل يجب أن نستفيد أصلا؟

  1. في آخر التدوينة تخيلتك تصرخ قائلًا: لا تأخذوا الحياة على محمل الجد.
    ومن ثم تمالكت نفسك وكتبت ”كونوا بسطاء، استمتعوا بحياتكم، فهي قصيرة على كل حال“

    🌸⁦🙏🏾⁩ هكذا يكون طارق عندما يكتب لقد استمتعت بقراءة هذه التدوينة يا رفيق.

    Liked by 1 person

  2. رائع يا طارق ما أجمل البساطة في كل شيء ولك دون إفراط، شكرًا جزيلًا على التدوينة الرائعة
    لا تحرمنا من إبداعاتك

    Liked by 1 person

  3. بعيدًا عن الكثير من يوميات مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب، تجد هنا في التدوين يوميات من نوع آخر، يوميات أصدق، أبسط، أكثر قربًا للقلب.
    وأنا كذلك أحب قراءة اليوميات والتجارب عمومًا وألقى منها نفعًا كثيرًا وإن لم يكن مباشرًا
    شكرًا لتدوينتك، استمر!

    Liked by 1 person

  4. أوافقك الرأي تمامًا.
    أحب كتابة اليوميّات، وقراءتها، ومشاهدتها حتى -فلوقز-
    غير إنّها ممتعة فأنا أشوف أن اليوميات مهما كانت فهي لا تخلو من الفائدة ولو إننا مو لازم نستفيد من كل شيء.

    Liked by 1 person

  5. مرحبا طارق، اتمنى ان تكون بخير… لا اخفيك انني اشكك في ما اكتب، وعندي الكثير مما لا انشره، ولكن هناك تعليق رائع لم اتوقعه وصلني عبر صراحه منذ فترة، يقول التعليق: قراءة يومياتك يهدئ قلقي شكرا لك
    لم اقدّر ابدا ان اليوميات التي اكتبها قد يكون لها أثر رائع كهذا، اشعر ان هذا التعليق كافي ليجعلني أكتب حتى و أن كنت أكتب فقط لصاحب/ة التعليق

    Liked by 1 person

    1. مرحبا زمردة، مضى وقت طويل، أتمنى أنك بخير.
      هذا النوع من التعليقات، يجعلك تكتب، لأنه سيستفيد شخص ولو واحد فقط من يومياتك، أو ربما فقط سيشعر بشعور جيد بعد قرائتها.
      يجدر بك العودة لكتابتها إذا يا زمردة، بانتظارك ❤

      Liked by 1 person

  6. من وجهة نظري، هنالك بالنسبة لكل واحد منا قدوة في هذه الحياة، سواءا في الواقع أو في المواقع، معروفا كان أو مجهولا، حقيقة أو خيالا، هذا الانسان القدوة يقوم في يومياته بتفاصيل نهتم بها كثيرا، لأنها تفاصيل نود أن نفعلها يوما ما، بنفس الطريقة، و لهذا فالكثير منا مستعد ليدفع المال مقابل أن يعرف أكثر عن هذه التفاصيل، دمت بخير.

    إعجاب

أضف تعليق