هل المدونة الشخصية هي أفضل خيار متاح للمدون؟

في سابق الأوقات، كنت حريصا على الكتابة في منصات مشهورة والتي يصل ما أكتبه فيها إلى أكبر عدد ممكن من القراء. منطقيا الأمر ممتع لأن عندما تعود إلى حروفك بعد مدة، وتجد أن الزيارات وصلت إلى رقم جيد، ستتحفز نفسيا وتواصل النشر هناك، لكن في الحقيقة هو تحفيز مزيف.

مع الوقت عندما تصاب بنوبة التحفيز، تصبح باحثا عن كل المنصات الموجودة على النت وتنشر فيها كلها، إن لم تحقق زيارات ستحزن وتعتزل الكتابة لوقت، وإن حققت ما يكفي لرسم الابتسامة ستواصل الكتابة، وهنا تقع في حفرة أولى وهي الكتابة من أجل الزيارات، والثانية هي حفرة الكتابة المقيدة.

كلنا نريد أن تقرأ كتاباتنا من طرف الآخرين، حروفك يجب أن تقرأ، هذا أحد أغراض الكتابة المعروفة والمتعارف عليها، لكن لكل شيء حدود، تجاوز هذه الحدود مع الكتابة سيجعلك مجرد كاتب من أجل الزيارات لا أكثر.

مع الوقت ستزول نوبة التحفيز هذه، ستمتلك روح اللامبالاة، تلك الروح التي لا تهتم بالزيارات مهما كان عددها، هنا حقا ستعود الروح الأولى التي كنت تمتلكها ككاتب.

الكتابة في منصات كثيرة أعتبره فعلا مكروها، إما أن تفتح مدونتك الشخصية وتواصل التدوين فيها، إما أن تختار منصة واحدة وتكتب فيها دائما، هذا ما أؤمن به وما أفضله هو الأول طبعا.

المدونة الشخصية تتيح لك كل الحرية اللازمة، المنصات التدوينية تفرض عليك شروطا قد تجردك من معاني الكتابة الحقيقية كأن لا تتجاوز ذاك الحد من الكلمات ولا تنزل عن ذاك الحد، ولا تكتب عن ذاك الموضوع ولا عن ذاك الموضوع، هذا كله لا يصب في مصلحتك ككاتب، سيجعلك مقيد اليدين عند كتابة أمر ما.

اكتشفت مدونات شخصية كثيرة تكتب القليل من الكلمات، لم أعتد على هذا النوع من الكتابات، ولكن مع الوقت عرفت أن هذا النوع هو الأفضل، عندما تكتب وتفضفض بكل ما لديك وينتهي مخزونك مما تريد البوح به، ستكون كلماتك أكثر من الصادقة، لكن عندما تكون مقيدا بمنصة ما ستفضفض أكثر بما ليس لديك من الأساس وتدخل في حفرة التطويل المتعمد، وما أكثر الذين علقوا في هذه الحفرة.

اكتشفت مدونات أخرى تكتب عن أمور لم أظن أن هناك أشخاصا يستطيعون الكتابة عنها، تخيل أن تجد في منصة مشهورة شخصا يتحدث عن يومه أو عن شيء بسيط اكتشفه أو أثر به، هذا ما أراه في المدونات الشخصية ولا أراه في المنصات.

هذه الأخيرة يغلب عليها التصنع، تجعلك تسير في الطريق المعبد فقط ويمنع عليك الانحراف قليلا والتمرد، تجعلك تمتنع عن كتابة الكثير بسبب شروط غبية.

أما من الجانب الآخر، هو أن ما ستكتبه سيصبح تحت قبضتك زمنيا، أغلب المنصات تتأخر عن نشر مقالات المدونين، تحملت هذا الأمر كثيرا لكنني يأست في آخر الأمر، آخر ما كتبته في أحد المنصات تأخر ما يقارب 10 أيام من أجل نشره، أليست المدونة تتيح لك زرا فوريا لنشر ما تريده في اللحظة التي تريدها؟

حتى أن ما كتبته سيصبح باردا نوعا ما عندما يتأخر عن النشر، ستفقد الرغبة الذي كان لديك عندما أردت نشر ما كتبته، كفقدان رغبتك عن أكل أكلتك المفضلة بعد أن تبرد، والكتابة ليست من النوع الذي عندما تدخله للمايكرويف ليصبح ساخنا من جديد، إنها مختلفة تماما، أو هذا ما أعتقد حول نشر الكتابات.

كنت أتعجب وأتسائل لماذا بعض المدونين متمسكين بمدوناتهم الشخصية البسيطة؟ علمت بعدها أن الحرية هي أفضل ما قد يحضى به الكاتب، حرية تامة في كل الجوانب، ما فائدة الزيارات إن كان ما يريده الكاتب غير مضمون؟ ما فائدة أن تتصنع من أجل بعض زيارات وأنت لم تضمن حريتك؟ أفضل أن أجلس في غرفتي الضيقة الذي أجد فيها راحتي التامة على أن أنتقل لقصر أجد صعوبة في التنقل بين أرجاءه ولا أجد أي راحة فيه.

إن أردت الكتابة الحقة، افتح مدونتك الشخصية، دومين مدفوع أو غير مدفوع، لا يهم، المهم أن تكون حريتك مضمونة، تكتب ما تريده دون قيود، عن أي شيء تريده، صديق قابلته، دروس تعلمتها من الحياة، أسرار، أي شيء بمعنى الكلمة، وعش حريتك ككاتب.

نحن نتحدث هنا عن المدونات والمنصات، هذا النوع الشائع من الكتابات، هناك كتابة كتومة تكتب لنفسك فقط في مذكرتك الخاصة أو حتى في مدونتك لكن بشكل خاص، هناك الكثير من الأنواع من الكتابة لكن في هذه التدوينة ركزنا على الكتابة المنشورة.

أتطلع كثيرا لوجهة نظرك حول الموضوع، وجوابك على سؤال: هل تؤيد النشر في مدونة شخصية أو منصة مشهورة؟

31 رأي حول “هل المدونة الشخصية هي أفضل خيار متاح للمدون؟

  1. السلام عليكم.
    أعجبتني تدوينتك، وأوافقك تماما.
    بدأت التدوين في مكتوب قبل ما يزيد على عقد من الزمن، ثم هجرته إلى فيسبوك. وقبل مدة عدت إلى مدونة شخصية أنشر فيها نصوصي.
    تحيتي لك.

    Liked by 1 person

  2. لقد إستوعبت كلماتك جيدًا، جدًا، وهذا قليل الحدوث بالنسبة لي، ولكن وجدتك تقول ما قلته لنفسي بالضبط.
    حين بدأت الكتابة المنتظمة منذ خمس سنوات أو اكثر كنت أتطلع للنشر، وبالفعل لدي مقالات قليلة، ربما اثنين فقط ولا اذكر اكثر، احدهما كان على نون بوست، حول الاسلام السياسي، والذي كنت اطرح فيه افكارًا خشيت ان تقابل بعنف وان تفهم خطئًا، غير ان المقال لم يشاهد تقريبًا، اي، حصل على مشاهدات صامتة، والتحق بتصنيف عجيب مع مقالات مملة بعيدة عن محتواه. أما الثاني فكان عن القضية الفلسطينية عبر ساسة بوست، حلم كتاب المقال، فقد كان المنصة الاوسع انتشارًا، ونشر المقال بعد يومين مرا بصعوبة، وادرج في خانة الاراء وحظى بذات المشاهدات الفاترة.
    لذا قررت بدء مدونة، والحق انني بدأت في مجال التدوين قبل النشر في تلك المواقع بفترة طويلة، ولكني تشبثت بالفكرة مع أرشيف. بدأتها كمشروع مدونة مجانية على وورد بريس، وكانت لدي تلك الفكرة -التي لازالت تسيطر عليّ بعض الشيء- ان اجعلها مساحة حرة، انشر فيها للجميع بلا قيود، محاربة سلطة المواقع التي من المفترض ان تمنح حرية، ولكني وبعد تعثر اكتشفت كم كان ذلك هرائًا في هراء، وخصصتها لنفسي، بالصفحة على فيسبوك وحساب تويتر، والآن صرت أخشى أن تنتشر في وسط لا أحبذ أن يقرأ لي فلا يفهم ما أقصده!
    ولكن لازلت لا أمانع النشر في بعض المنصات ذات الشخصية المميزة، ولقد سعيت في فترة للنشر في منشور ولكن اتضح ان مقالي كان “رأيًا” وبلا مصدر، ربما احاول لاحقًا، كما اني بدأت بالفعل في قناة اليوتيوب التي أنوي العمل عليها، تحمل نفس الاسم

    Liked by 1 person

      1. حظيت لنفسي، ولكنني وجدت ان الكتاب، متمرسين او هواة و مبتدئين، يتجهون بلا هوادة دون تفكير إلى الموقع الكبرى، لذا قزّمت الفكرة وخصصتها لي وحدي، تاركًا الباب مفتوحًا، في “أرشيف القراء”

        Liked by 1 person

        1. آه، لم أستوعب أنها كانت منصة للجميع، تجربة جميلة صراحة.. جميل أن تجد من يشاركك الرأي في بعض الآراء الشاذة عن رأي العموم.

          Liked by 1 person

  3. تدوينة جميلة ومثرية، شخصياً لم أجرب الكتابة في منصات عامة ولا خبرة لي فيها ولكن أفضّل المدونة الشخصية، في كل الجوانب ليس فقط جانب الحرية. من الجميل أن يكون لديك مكانك الخاص الذي يحتوي على كتاباتك فقط. المنصات العامة أجدها مكان ضخم عشوائي يحاول جمع الأفضل من بين الأفضل -حسب شروطهم بالطبع- وهذا مستحيل.

    Liked by 1 person

    1. بالضبط هذا أحد الأسباب التي لم أستطع أن أبوح بها كتابيا، لا أعلم السبب.
      مكان جامع لكتاباتك هذا هو أجمل شيء يحضى به ما تخطه من حروف.
      مرور جميل ❤

      Liked by 1 person

  4. أعتقد أنك تعرف رأيي سابقاً يا طارق.. كتبت عن هذا في مدونتي الشخصية.
    وهو تماماً يوافق ما تقوله.. استمتعت بما كتبته اخي طارق.

    Liked by 1 person

  5. مرحبا أخي طارق أنا أنشر تدويناتي على مدونتي الشخصية وأردت في هذه الفترة النشر في بعض مواقع التدوين الجماعي. بعد قراءة مقالك الرائع أقنعتني بأن التدوين على مدونتي الشخصية أفضل.
    نقلت مدونتي مؤخرا من وردبريس دوت كوم إلى البلوجر لأن الوردبريس المجاني يخنق المدون و يعرض إعلانات على مدوناتنا الشخصية.
    رابط مدونتي : https://hazemallagui.blogspot.com

    Liked by 1 person

  6. اوافقك الرأي حول حرية التدوين الشخصي حيث عانيت الكثير من الشروط و المعوقات التي تفسد التدوين و تفقده طعمه و خصوصا فكرة التدقيق من طرف اخر بعد كتابه النص و في بعض الاحيان يتم التعديل على النص حتى يختفي اسلوبك منه و ينتقل إليه

    Liked by 1 person

    1. مسألة التغيير أوافق عليها في حدود محددة بشدة، فاصلة في مكان ما، استعمال مزدوجتين خاصة بالموقع وغيرها. لكن تجاوز هذه الحدود غير مقبول مطلقًا بل يسبب نفور المدونين في الأخير وهذا ليس في مصلحة الموقع.

      Liked by 1 person

  7. أقتبس من حروفك
    “كلنا نريد أن تقرأ كتاباتنا من طرف الآخرين، حروفك يجب أن تقرأ، هذا أحد أغراض الكتابة المعروفة والمتعارف عليها، لكن لكل شيء حدود، تجاوز هذه الحدود مع الكتابة سيجعلك مجرد كاتب من أجل الزيارات لا أكثر.

    مع الوقت ستزول نوبة التحفيز هذه، ستمتلك روح اللامبالاة، تلك الروح التي لا تهتم بالزيارات مهما كان عددها، هنا حقا ستعود الروح الأولى التي كنت تمتلكها ككاتب.”
    أعتقد بأن المدونة الشخصية هي الخيار.
    تحياتي

    Liked by 2 people

  8. صديقي طارق، أكتب هذا التعليق بعد تسعة أشهر من كتابتك لهذه التدوينة، ولا أعرف ما الذي يحصل ولكن في الأيام الأخيرة بدأت أرى كل شئ يحثني على البدء في التدوين الشخصي، وهو الشئ الذي كنت أخطط له وأضعه في الدرج الأسفل من دماغي منذ ما يقرب من خمس سنوات، وأظن أنني سأفعلها في النهاية.

    Liked by 1 person

    1. سعيد بهذه الكلمات حقيقة، الحمد لله أنك قررت أن تكتشف ما وضعته في الدرج الأسفل من دماغك وتخرج ما فيه مطبقا على الواقع.
      منتظر مدونتك وسأكون أول المتابعين لها.. لديك أسلوب جميل بسيط وواضح في الكتابة، هذا ما يتبين لي على الأقل من خلال تعليقاتك في حسوب، لذا أظن أن تدويناتك ستكون رائعة بكل تأكيد.
      كل التوفيق وبانتظارك بفارغ الصبر.

      Liked by 1 person

  9. بعد سنتين من نشر هذا السؤال الذي لفت انتباهي من خلال بحثي عن المدونة بشكل عام وكيفية الدخول فيها وفي عالمها الكبير الي اكتشفته حديثاً وبشكل مستغرب ، مع العلم انني اول مره اعلق او اكتب في مدونه او أشارك رايي بشكل عام وفضلت ان ابدأ من خلال تعليق بسيط أرى فيه مدى استيعابي لهذا الموضوع الكبير بالنسبه للتدوين عامة او بشكل شخصي ، مع انني اتفق اتفاق كامل بالتدوين الشخصي من قبل ان ادخل التجربة في التدوين في المواقع العامة .

    Liked by 1 person

  10. أحببت كثيرا هذه التدوينة، و اخيرا صرت أمارس التدوين الشخصي على مدونتي بعد ما كان ذلك على مذكراتي الخاصة ، أنشأت مدونتي الاولى على بلوجر منذ قرابة 10 سنوات و كنت أشر فيها خربشاتي و خواطري بصفة سرية، منذ سنتين كانت أول تجربة لي في انشاء مدونى على نطاق مدفوع، كنت أنشر فيها محتوى متخصصا في مجال دراستي : الهندسة المدنية، و لكني تيقنت مع الوقت أني لا أستطيع الكتابة حول هذا الموضوع، أحسست سريعا أنها مواضيع ميتة لا تسمع فيها أي نبض، أصبت بحبسة الكاتب لعدة أشهر، ثم وجدت نفسي التدوين ارتاح لكتابة تدوينات شخصية على هذه المدونة

    إعجاب

أضف تعليق