عزاءات الفلسفة : كيف تحل أبرز مشاكل الحياة باستعمال الفلسفة؟

” عزاءات الفلسفة : كيف تحل أبرز مشاكل الحياة باستعمال الفلسفة ؟” هذا كان عنوان مقال لي حول كتاب عزاءات الفلسفة في موقع كتبجي، انتبهت بأن الموقع لا يعمل حاليا، لذا قمت بنقل المقال هنا، لحسن الحظ أنني أحتفظ بنسخة منه، قراءة ممتعة.

الفلسفة؟ كيف لها أن تكون علاجا لمشاكلنا عبر عزاءات ست مر بها  ست  فلاسفة عبر قرون مضت؟ هذا ما تناوله الرائع السويسري آلان دو بوتون في كتابه  عزاءات الفلسفة، حيث يأخذنا في رحلة بحقيبة مشاكل الحياة إلى عالم الفلسفة بمتعته المعتادة.

آلان قرأ الكثير حسب المراجع التي وضعها في آخر الكتاب، ليكتب كتابا شاملا كهذا، التبسيط والشمولية في مجال عميق ومعقد كالفلسفة لن يقدم عليهما إلا شخص تعب حقا في البحث والتلخيص والكتابة.

يجلب آلان ست عزاءات أو ست مشاكل، ثم يذكر الفيلسوف الذي تفلسف لحل مشكلته بنفسه، وكل يحكي لنا حكايته، حياته، ماذا جرى له، ثم يستخلص الحلول التي انتهجها الفيلسوف.

وكالعادة دو بوتون يستعمل القصص بكثرة لدعم الأفكار الواردة، يستعمل الكثير من الأمثلة والافتراضات من أجل إيصال الفكرة، هذا الأسلوب المعتاد من آلان دائما يضفي متعة فريدة أثناء قراءة كتبه.

وأيضا آلان لم يضع مقدمة لكتابه هذا أيضا، يدخل مباشرة إلى المحتوى. مازلت معجبا بهذه الفكرة.

فإن أردنا أن نلخص الكتاب في فكرة سنقول أن مادام للأمراض الخارجية علاج طبي فأيضا للأمراض الروحية علاج ألا وهو الفلسفة. لنلخص أبرز الأفكار مما ذكر بين طيات الكتاب.

الفصل الأول كان يتحدث عن فكرة جوهرية دعانا إليها سقراط وهي عدم إتباع التيار السائد وإعمال العقل، لو كنا في عصرنا هذا نملك أفكارًا غير منطقية كثيرة سائدة، ففي عصر سقراط كانت الأفكار السائدة غير المنطقية أضعافًا مضاعفة عما نملكه حاليا.

وذكر مثالا يبين لامنطقية أهل أثينا وهي تقبلهم لفكرة تعقيد صناعة مزهرية من جلب لصلصال مميز وصقله بالطريقة الصحيحة وكذا، لكن لا يطبقون نفس الأمر على الأفكار إذ كانت معقدة فلا يريدون التفكير فيها ويرثون الأفكار السائدة دون التفكر فيها. وبقليل من التأمل نرى أن نفس الأمر يجري لدينا حاليا.

ذكر كثيرا آلان أن سقراط كان يعاني من الكراهية وأنه يفسد العقول وكذا حتى تم دعوته للمحكمة التي تتكون من لجنة محلفين جهلاء، حيث أيد الأغلبية قرار إعدامه بالسم الذي ابتلعه سقراط بلا مبالاة وبرباطة جأش.

من سقراط إلى أبيقور الذي أيد مفهوم اللذة من أجل الوصول إلى السعادة، وكانت لائحة السعادة بالنسبة لأبيقور تتكون من “الصداقة أن تمتلك أصدقاء حقيقيين في حياتك، الحرية أن لا ترتبط بالعمل في أثينا المقيد جدا بإملاءات الآخرين والعيش باستقلالية ولو كان المال غير متوفر، التفكير واستعمال العقل وتحليل مكامن القلق.”

أبيقور يؤيد مبدأ المينيماليزم أو تبسيط الحياة، يهتم بما هو طبيعي وضروري فقط أما الباقي فيتم إقصاؤه من الحياة، يسعى إلى لذة مختلفة تماما وليس اللذة المعروفة أن تشتري الأغلى والأفره وأن تمتلك ثروة وما إلى ذلك.

ثم إلى الفيلسوف سينيكا، الذي أبرز أن الإحباط الناتج عن عدم تحقق أمنية ما يمكن تجنبه، ومثل ذلك بجدار وهو الواقع ثم تأتي الأمنية في سهم حتى تصطدم بالجدار فيتسبب الإحباط.

الفكرة هنا أن تصعد دون ملامسة الجدار من أجل تجنب النتيجة التي تحدث عند الاصدام بجدار الواقع. وذكر  خفض مستوى الآمال وخفض مستوى التوقعات، لا تتوقع الكثير ولا ترفع آمالك كثيرا لكي لا تصاب بصدمة إحباط.

ثم ذكر فلسفة مونتين المثيرة للاهتمام بشأن العجز، إذ كان مونتين محبا للسفر، ويسافر من منطقة لأخرى في أوروبا، ثم من التصرفات والأمور التي يلاحظها في مختلف الشعوب يلاحظ مختلف أنواع العجز التي تكررت كثيرا في مقاراناته بين الأماكن المزارة.

وبعدها فلسفة شوبنهاور الشهيرة، بشأن انكسارات القلب والحب وغير ذلك، التي تؤيد فكرة إرادة العيش وأن الحب والزواج فقط من أجل الإنجاب فلا نختار الشريك إلا إذا كان مناسبا لكي يخرج ولدا جميلا، يعني يؤيد فكرة أن الزواج فقط من أجل ضمان استمرارية النسل ولو أنكر الإنسان ذلك فهو يقوم بذلك بدون شعور.

ثم أخيرا فلسفة نيتشه حول المصاعب، حيث يذكر أفكار جديرة جدا بالاهتمام، كفكرة أن البلاءات هي أساس النجاحات، فمن البلاءات تنبت النجاحات، ولا يمكن أن ننجح إلا بالبلاء وبالمصاعب، فهو يحث على التحمل وإنبات النجاحات من البلاءات.

هناك ترتيب زمني حكيم للفصول، إذ كل فيلسوف مذكور في هذا الفصل سيبق تاريخيا الفيلسوف الذي سيذكر في الفصل الذي يليه، وسيتكرر إسمه كثيرا ولو خرجنا من الفصل الخاص به إذ كل فيلسوف يتأثر بما قبله في بعض الأفكار أو كلها.

بعد نهايتك للكتاب ستتحمس أكيد لمعرفة المزيد من الفلسفة، إذ هذا الكتاب يعد مدخلا مميزا للفلسفة، لكي تأخذ الأساسيات وتفهم هذا العالم ببساطة.

آلان كعادته أبدع وأمتع بدون مبالغة، قام بمجهود رائع كما ذكرنا سابقا، كما أن المترجم السوري يزن الحاج قدم ترجمة مميزة لا يشوبها خلل، فلو جلبنا نفس الكتاب بترجمة مختلفة سنفقد الكثير من المتعة وستجد الكتاب معقدًا.

عزاءات الفلسفة - آلان دو بوتون
عزاءات الفلسفة – آلان دو بوتون

ما قرأته كان صادرا عن دار التنوير بترجمة يزن الحاج والكتاب نشر أول مرة بالإنجليزية عام 2000، وهو أحد الكتب التي اشتهر منها آلان دو بوتون، هناك العديد من كتبه لم تترجم، عناوينها مشوقة.

ويبقى لي كتاب كيف لبروست أن يغير حياتك، الكتاب الثالث والأخير الذي ترجم للعربية، خضت رحلة ممتعة مع آلان بكل صراحة، أتمنى أن تدوم أكثر.

رأيان حول “عزاءات الفلسفة : كيف تحل أبرز مشاكل الحياة باستعمال الفلسفة؟

أضف تعليق