لماذا عليك كشخص لديه معرفة يريد مشاركتها أن تنتقل إلى المدونة الشخصية اليوم قبل الغد؟

المدونة الشخصية تشهد عودةً إليها في الآونة الأخيرة، فيوجد من يخصص وقتًا واهتمامًا لمدونته الشخصية ويبذل فيها جهدًا أكبر من نشاطه على وسائل التواصل الاجتماعي. وأحييهم واحدًا واحدًا دون استثناء وأحاول القراءة لكم متى ما سنح لي الوقت والجهد لفعل ذلك.

لكن هذا يبدو أنه ليس كافيًا عند الكثير من الناس.

لا يزال من يشك في جدوى المدوّنات الشخصية، ومدى منفعتها وضرورة امتلاك واحدة أصلًا.

بالله عليك لماذا عليّ أن أنشئ مدونة وأنا أملك حساب على فيسبوك/تويتر/… وأنشر فيه؟

يفكر الكثير بمنطق أنني أملك بالفعل قاعدة جماهرية في حسابي على كذا، وأنا أنشر فيه مقالاتي وأفكاري فيه، فلماذا عليّ أن أنتقل لمدوّنة وأترك جمهوري؟

وهو سؤال في محله ولا غبار على أهميته، لكن ما مدى أهمية هذا الجمهور الذي يدعم منشوراتك أو مقالاتك لفترة زمنية من ظهور المنشور ثم ينتهي مفعول ذلك التفاعل؟

بمعنى أنك يمكنك أن تحضى بتفاعل كبير وتشعر بالدوبامين أو أيًا كان الهرمون المسؤول عن السعادة، وتستمر بالنشر لأنك تريد جرعات أكثر من هذا التفاعل.

لكن ماذا بعد ذلك؟

مقالاتك تستحق أن تكون في مكان أفضل، ليس أفضل مكانة، بل أفضل مكان لكي تؤرشفها، ولكي تدوم منفعتها للآخرين.

بنشرك في وسائل التواصل الاجتماعي يعني أنك تقوم بتضييق المنفعة لأشخاص آخرين يوّدون القراءة حول الموضوع الذي كتبتَ فيه.

لنفترض أنك كتبت مقالًا حول مبدأ من مبادئ التسويق. ثم جاء شخص يبحث في غوغل عن ذلك المبدأ لكن لم يجد المحتوى الكافي لكي يتعلم عنه أكثر.

أليست هذه مشكلة؟

فالذي يريد الاستفادة من موضوع ما كتبت عنه سابقًا في فيسبوك، لن يصل إلى ما كتبته إلا إذا قام بتصفح حسابك والنزول في الأرشيف إلى أن يصل إليه، وهو احتمال يؤول إلى الصفر لأنه أصلًا كيف يمكن لهذا الشخص أن يعرف أنك كتبت عن ذلك الموضوع.

فهنا تأتي أهمية المدوّنة الشخصية.

أنت بحاجة لمكان يحفظ لك مدة صلاحية ما كتبته لمدة أطول، بل لمدى الحياة بدون مبالغة. توجد مقالات تتصدر نتائج البحث حاليًا، لكنها كُتبت منذ زمن طويل.

كما أنها تعتبر صدقةً جاريةً لك بعد موتك، حسابك على فيسبوك قد يبقى موجودًا، لكن هل محتواه سيكون مفيدًا للآخرين مستقبلًا؟ ربما. لكن ليس بمقدار الفائدة الذي يمكن لمدوّنتك أن تفعل.

أنا متيقن نوعًا ما أن الكثير يجد صعوبة في التنقل لمدونة لأنه يملك تفاعلًا على حساباته. فيكمل النشر هناك، لأنه يحس بإحساس جميل، ينشر شيئًا ويجد الكثير من الإعجابات والقلوب وكذا.

لكن ما مدى أهمية ذلك في المدى البعيد؟ صحيح أنه مُسعدٌ في المدى القريب، لكن ماذا بعد ذلك؟

أقول هذا لأنه يمكن أن تبدأ مدونة ولا تستمر فيها، فقط لأنك لم تتحرر بعد من مبدأ “التفاعل”، فقد تجد تدوينتك لم تلقى تفاعلًا كبيرًا ثم تتوقف.

وهنا أصلا تبرز أهمية المدونة، فهي الوسيلة الأفضل والأمثل لكي تتحرر من هذا المبدأ، وأن تكتب لأنك تريد أن تكتب، لأن تريد أن تفيد الآخرين، أو لنقل أنك تريد أن تفيد الشخص الواحد فقط الذي سيستفيد عاجلًا أم آجلا مما كتبته.

نعم التدوين يدربك على أن تهتم لذلك الشخص الواحد وفقط. لن يهمك إذا ما قرأ ما كتبته الكثير من الناس، ستتحرر من هذه الأمور. وستقلل من توقعاتك -وهذا مهم-، وعندما يقرأ شخص واحد فقط ما كتبته، تلك هي السعادة القصوى.

الدوبامين المزيف الذي يحدث بسبب 100 لايك، أو 100 ريتويت، مجرد هراء لا فائدة منه. والانتقال إلى المدوّنة هو تدريب لك لكي تتخلص من جرعات الدوبامين هذه.

وأن يتغير هدفك من صناعتك للمحتوى من ملاحقة الأرقام إلى إفادة الناس فعلًا بما تعرفه من خبرة أو تجارب أو معرفة.

سأسبقك بخطوات وآتي إليك من الآخر: لا يوجد خيار للأرشفة أفضل من المدونة الشخصية. نقطة، إلى السطر

المدونة الشخصية تعتبر أرشيفًا شخصيًا لك. لنضع هذه الاحتمالات هنا:

تريد أن تضع مقالات معيّنة كتبتها في مجال واحد، لنقل مثلا كتابة التغريدات بشكل جذاب، المدوّنة توّفر لك خيار أن تقوم بجمعها تحت تصنيف واحد، ومستقبلًا إذا شخص قال لك أريد مقالات عن كيفية كتابة تغريدات بشكل جذاب، ترسل له رابط يجمع كل هذه المقالات وتقول له: كل التوفيق.

تكتب في موقع عديدة، وتريد الاحتفاظ بكل ما كتبته في مكان واحد، المدونة الشخصية هي الحل.

تعلمت شيئًا جديدًا وتريد الاحتفاظ به وترسيخه في عقلك وأيضا توجد احتمالية أنك ستعود إليه مستقبلا، ما الحل الأفضل؟ كتابته في مدونتك.

غدًا، أوه أحتاج ذلك المقال عن الموضوع الفلاني الذي تعلمته مؤخرا، تذهب للبحث وتجد المقال جاهزا. والمفارقة هنا أنك ستتذكر بشكل أفضل ذلك الموضوع فقط عندما تكتب عنه في مدونتك وتنشره للناس.

أيضا حسابك على فيسبوك أو أيًا كان، عرضة للإغلاق والحذف، فأنت لا تملك السيطرة الكلية عليه، يمكن في أي وقت أن يقرر صاحب الموقع أن يغلق حسابك وتفقد كل محتواك.

فيسبوك حاليًا يغلق الحسابات بلا هوادة، حسابات رغم أنها قديمة في الموقع، لكن يقوم بغلقها بدون سبب واضح، وحتى الحسابات الجديدة، جربت قبل أيام أن أفتح حساب ثاني لكي أنضم لبعض المجموعات، تفاجئت بعد 45 دقيقة أو ساعة أن الحساب قد أُغلق.

فأنت باعتمادك على النشر كليًا على فيسبوك أو غيرها، تجعل ما كتبته في خطر، هل تنتظر من إدارة فيسبوك أن تقول لك: “نعتذر عن إغلاق حسابك، تفضل هذه هي مقالاتك، نقلناها لك قبل أن نحذف حسابك”؟ لا، لن تفعل ذلك.

أنا لا أقول أنه لا تنشر في فيسبوك وغيره، أنشر، لكن احتفظ بما تكتبه في مدوّنتك. أو غيّر سياسة نشرك. أنشر في مدوّنتك أولًا، ثم أعد تدوير محتواك وقم بنشره في حساباتك الاجتماعية. بسيطة جدًا. فقط نحن نحب السهل، ونحب النشر مباشرة في وسائل التواصل.

العيش في زمن وسائل التواصل الاجتماعي يجبر المرء على التعايش معها، أتفق. لكن شخصيًا لا أتفق مع مبدأ أن تجعل فيسبوك هي المنصة الرئيسية لنشر معرفتك، بدلًا من جعلها منصة ثانوية لنشر ما نشرته بالفعل في مدوّنتك.

عندما يواجه الشخص سؤالا ما أو مشكلة ما، أين يبحث؟ محرك قوقل.

ومحرك قوقل يُظهر لك بشكل رئيسي المقالات التي كُتبت في السؤال الذي طرحته.

بمنطق بسيط ومباشر، هل أنت حللت مشكلتك أو أجبت عن سؤالك عن طريق منشورات شخص ما في فيسبوك؟ أو من خلال مقالات كتبها فلان قبل 10 سنوات وظهرت لك في محرك قوقل؟

في السنة الماضية أتتني مهمة في الجامعة لكي أصمم جريدة افتراضية، وأردت البحث عن الخط الذي يستعملونه عادة في كتابة الجرائد، وبحثت في قوقل لساعات إلى أن وصلت إلى تدوينة كتبها صاحبها قبل أكثر من 10 سنوات، وفي مدونة ووردربيس مجانية ليست حتى مدفوعة وبدومين مدفوع وكذا.

قد يكون هذا الشخص ميتًا الآن وقد يكون حيًا، لكن ما تبقى من أثره هو تدوينة كتبها ولا يعلم أصلًا أنها مؤرشفة حاليا في محركات البحث.

هذا بحد ذاته لو كتبته كسبب وحيد في هذه التدوينة يكفي أن يقنعني أنا شخصيًا لكي أتوقف عن النشر بشكل رئيسي في سنابشات وأبدأ التدوين.

وعلى ذكر سنابشات، أسئلة بسيطة فقط تُطرح على المحتوى الذي تنشره هناك، هلل سيبقى دائما هناك لأجيال وأجيال بعد أن تنشره؟ هل الستوري التي تنشرها على إنستجرام وفيسبوك ستبقى للأشخاص الذين يريدون الفائدة بعد أن تختفي تلك القصص (Stories)؟

تخيل أنك شاركت تجربة ثمينة يبحث عنها الكثير ولم تحتفظ بها في تدوينة (مرئية أو مكتوبة)، وبحث عنها مجموعة من الأشخاص بعد سنة ولم يجد شيئًا عن ذلك المجال؟

لن تتطور في الكتابة إن لم تمارسها في مدوّنة شخصية

إذا أردت تطوير كتاباتك، فلا حل أفضل من إنشاء مدوّنة. لن يمكنك أن تطوّر من أسلوبك وطريقة استعمالك للكلمات وكذا، دون أن تكون لديك مدوّنة تمارس فيها ذلك.

قد تقول لي لكنني أملك حسابي على تويتر أقوم فيه بذلك. صحيح لكن هذا لا يدربك على كتابة مقالات وتدوينات طويلة نوعًا ما. المدونة تجعلك تتدرب على هذا النوع من الكتابات، بل مع الوقت ستجد المتعة الحقيقية في كتابة المقالات الطويلة وليس في الشذرات التي تنشرها في تويتر أو فيسبوك.

كما أن منع نفسك للكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي يعني ذلك أنه الطاقة التي تبذلها والأفكار التي تستعملها في هذه الوسائل، ستسخرها لمدونتك. بكل بساطة.

الفكرة التي تأتيك وتريد الكتابة عنها وتهرول مسرعًا إلى هاتفك لكي تنشر عنها في تويتر، عندما يكون لديك مدونة تقول لنفسك: مهلًا، لديّ مدونة، وسأكتب فيها مسودة عن الفكرة وأتركها هناك.

حرفيًا هذا ما يجري معي، الكثير من التدوينات هي مسودات لفكرة صغيرة. هذه التدوينة بحد ذاتها لم تكن إلا مجرد فقرتين فقط. إلى أن عدت مجددًا الآن وأكملت ما تبقى من أفكاري.

فالتدوين وامتلاك مدونة يدربك على أن تنشر أفكارك في المكان الصحيح، وأن تحتفظ بأفكارك في المكان الصحيح، عندما تكون لديك فكرة رائعة، وتنشرها على شكل جملة في فيسبوك أو تويتر ثم انتهى الأمر. ما الذي استفدنا هنا؟

فيسبوك أو تويتر الآن أجبرك على كتابتها بشكل مختصر. لأنه كما نعلم فالمستخدمون في فيسبوك يتذمرون من المنشورات الطويلة ولا يقرأونها مما يعني لا يتفاعلون عليها مما يعني جرعة إحباط تصلك مما يعني أنك لن تكتب منشورات طويلة بعد الآن.

فكتابة فكرة ما على فيسبوك، يجعلك عرضة لاختزالها، ويجعلك تفقد فكرة عظيمة لتدوينة مميزة، لكنك بخلت نفسك فقط باختصارها على شكل جملة في فيسبوك.

وهل تتحقق الاستفادة الكلية من موضوع ما فقط بسبب تغريدة مختصرة؟ أبدًا.

قد تحفزك تغريدة ما لكي تجرب شيئا ما، لكي تبحث عن مجال ما، أتفق. لكن ليست مصدرًا للمعرفة. وتعوّدك لنشر معرفتك باختصار على شكل تغريدات لا يفيد القارئ ويبخس حق معرفتك وتجاربك بشكل مزعج.

المدونة الشخصية مغناطيس للفرص

في مجال التوظيف، توجد نصيحة تقول أن تقوم بتوظيف من يملك مدونة شخصية. فلا يوجد دليل أفضل أنك خبير في المجال الفلاني من امتلاك مدونة.

في مجال نشر المعارف والخبرات، لا يوجد مكان أفضل يمكنك أن تفعل فيه ذلك من المدونة.

وقد قرأت الكثير من الأمثلة من قبل عربيًا وأجنبيًا، تحصلوا على فرص وظيفية بسبب مدوناتهم، وأنا شخصيًا تحصلت على العديد من الفرص بسبب المدونة.

وإن كنت تقرأ هذه الجملة واستحضرت في بالك أنك فعلًا تحصلت على فرصة بسبب مدونتك، اكتب ذلك في التعليقات، لعل القارئ لهذه التدوينة يذهب للتعليقات لكي يتحفز من نماذج الآخرين.


أكتب هذه التدوينة وأنا أستحضر أشخاصًا يملكون محتوى رائع ويستحق أن يُحتفظ به في مدونة شخصية، لكنهم يفضّلون الاستمرار في فيسبوك وإهمال خيار امتلاك مدونة شخصية.

وهو أمر محزن. وآمل حقًا أنه سيكون هناك أشخاص بعد قراءة هذه التدوينة سيبدأون مدونتهم الشخصية.

لهذا، إن كنت تعرف شخصًا يكتب محتوى مميز في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لا يملك مدونة. أرسل له هذه التدوينة، ربما تكون سببًا في إقناعه بذلك.

وسأقوم بتحديث هذه التدوينة من فترة لفترة لكي أضيف أسبابًا أخرى لكي تنتقل إلى المدوّنات.

وإن اقتنعت بالفعل وتريد بدأ مدونة شخصية، ولا تعرف الأمور التقنية لفعل ذلك؟ أبشر بهذه السلسلة المرئية في يوتيوب التي سترشدك لفعل ذلك.

وهي ملاحظة جانبية بما أنني ذكرت اليوتيوب، حتى التدوين المرئي في يوتيوب يعتبر أفضل من التدوين المرئي في فيسبوك أو تويتر، إذ لو تسأل نفسك وأصدقائك وعائلتك وأقربائك أين يبحثون عن المعلومة عادة؟ قوقل ويوتيوب. ودورك كشخص يريد زكاة علمه وتجاربه أن تنشرها في أماكن يبحث فيها الآخرون وتعتبر أكثر الأماكن أمانًا لحفظ المعلومة لأعوام وعقود.


آخر تحديث: 02 فيفري 2024.

9 رأي حول “لماذا عليك كشخص لديه معرفة يريد مشاركتها أن تنتقل إلى المدونة الشخصية اليوم قبل الغد؟

  1. أتفق معك جدا في وجهة نظرك, أجد المدونة المكان الآمن والمريح للتدوين رغم أني أملك جمهور بسيط أن لم يكن منعدم و لكنني أستمتع بالتدوين هنا رغم ذلك

    Liked by 1 person

  2. تسيطرّ المدونات على تفكيري 🧟‍♂️، لذا يُسعدني أن نشرت هذه التدوينة 🥰
    وبالحديث عن السعادة، فقد تحصّلت على شتى أنواع الفرص من مدونتي؛ مادية – صداقات – بناء علامة تجارية شخصية.

    ولو أردت الحديث عنها جميعًا، لاستغرقني ذلك دهرًا.

    Liked by 1 person

  3. استاذ طارق علم في رأسه نار. مقال موفق كعادتك تكتب المفيد والذي دوما حين نقرأ من الفوائد نستزيد. ليبارك الله في جهد ويوسع في رزقك، ويكتب لنا دوما الفائدة منكم

    Liked by 1 person

أضف تعليق